بانوراما

أقصوصة واقعية…با ميلود “مول النوالة”

أطلس توداي: عبد الله شوكا

يسكن با ميلود بجوار الدوار في “نوالة” جد بسيطة تأويه من شدة الحر، ورياح وشتاء الخريف، كل ما يملك إبريقا وآنية، وثلاثة كؤوس، ومانطة رثة وحصير، بالاضافة لراديو صغير الحجم، من نوع ترانزيسطور يؤنسه في وحدته ويأتيه بأخبار العالم اليومية.

وبالرغم من بساطة عيشه يعتبر با ميلود رجلا على بال، يتابع خطابات الملك عند كل مناسبة، كما يتابع تدخلات البرلمانيين مساء كل يوم أربعاء، وكل الفضل يعود للراديو الصغير الحجم الذي لايفارق آذان باميلود، وخلال بعض الليالي تغدر به البطاريات، فيضعها في إناء ماء ساخن، ويغليها على النار لشحنها كي يكمل سمره الليلي، لكون باميلود متشبت بالراديو ولا يحب أن تفوته أخبار ليلة من الليالي.
وكل مساء تكون “نوالة” با ميلود مقصدا لشبان الدوار، حيث ألفوا قضاء السمر عنده لسماع حكايات وروايات با ميلود ، ونظرا لضيق نوالة با ميلود، يتكدس شبان الدوار ملتفين حوله وأرجلهم ظاهرة خارج النوالة.

يتابع با ميلود مختلف البرامج الإذاعية ويحفظ عن ظهر قلب أسماء المذيعين منذ زمان، مصطفى العلوي، المرحوم امحمد الجفان, المرحومة لطيفة القاضي, أمينة السوسي, خالد مشبال, المرحوم يحيي الكوراري وغيرهم، كما يتابع أخبار الرياضيين، ويسمع عن الصفقات الخيالية إبان انتقالات الكوايرية بين مختلف الفرق الوطنية والعالمية، فينظر الى ساقيه النحيفتين التي أنهكها دخان كازا والتي لم تسعفه كي يصبح با ميلود بدوره كوايري يساوي الملايير، ويتساءل لماذا لا يكون ميسي أو رونالدو أو بنعطية، هم الذين يسكنون في النوالة وبا ميلود هو اللاعب المشهور صاحب الصفقات الخيالية، على أي يؤمن باميلود بالقسمة والنصيب، ولا يمكن أن يكون العالم كله ميسيات، ولا يمكن أن يكون العالم كله أشباه با ميلود.
في الأسبوع الماضي قصد شباب الدوار كالعادة نوالة با ميلود، عند اقترابهم من النوالة وجدوا بقايا سجائر كازا كثيرة دخنها با ميلود في وقت زمني قصير، تأكدوا كون أشياء ليست على ما يرام يعيشها با ميلود وظنوا ربما يعيش أزمة ، دلفوا الى النوالة فوجدوا با ميلود غاضبا من أخبار سيئة حملها له الراديو الصغير، لم يكشف لهم عن سر الأخبار، بل طلب من أحد الشبان أن يعود للبيت في عز الليل ويأتيه بمقياس المتر، ظن شباب الدوار ربما شخص من الدوار أراد طرد با ميلود من البقعة الضيقة التي تحتلها النوالة، بقدوم الشاب وما طلب منه با ميلود، نهض الأخير غاضبا من مكانه وطلب من شباب الدوار مساعدته على قياس البقعة التي تحتلها النوالة، فوقفوا عند مساحة أربعة أمتار مربعة، لم يفهم شباب الدوار ما يريد با ميلود قصده بهذه العملية.

عاد با ميلود الى مكانه في “النوالة” ودعا شباب الدوار الى الالتفاف حوله لسماع الحكاية المثيرة، جلس شباب الدوار وبدأ با ميلود يسرد اليهم الحكاية، أشعل با ميلود سيجارة كازا وهو يحدثهم عن الأخبار التي حملها له الراديو ترانزيستور اليوم، كون شخصيات من رجالات الدولة، استولوا على الاف المترات المربعة في أرض زعير القريبة من الرباط باثمنة رمزية، امتلأت رئة با ميلود تلك الليلة بما يكفي من دخان كازا، تساءل با ميلود عن ظروفه، وهو الذي كان ينتظر أن تتحسن أوضاعه ويحصل على بيت في المستوى بالرغم من كونه لا زوجة ولا أولاد له، وهو الذي لا يتوفر سوى على نوالة يمكن لأول ريح عاتية أن تطير بها وتزيلها من هامش الدوار.


قام با ميلود من مكانه وخرج من “النوالة” وألقى بنظره على المقبرة المتاخمة للدوار، وحمد الله كون القبر يساوي بين الفقير والغني, وضرب موعدا مع كل آثم وخارج عن القانون في الدنيا، وقال بصوت مرتفع …غدا سنقف جميعا أمام الله….
تفرق الجمع وعاد شباب الدوار الى بيوتهم, أما با ميلود فعاد الى نوالته واستسلم لنوم عميق في فضاء ممزوج بدخان سيجارة كازا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى