فاتح ماي والتقاعد والثالوث القاتل
لطيفة بجو
إنها ظروف استثنائية تلك التي سيتم خلالها الاحتفال بفاتح ماي هذه السنة، وعلى رأسها غلاء المعيشة. كما أنه لا يبدو أن اجتماعات الحكومة مع النقابات خلال شهر أبريل لمناقشة مطالبهم، قد حققت المراد منها، كالرفع من الحد الأدنى للأجور والتخفيض من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الأجور، هذا بالإضافة إلى إصلاح صناديق التقاعد.
بخصوص ملف التقاعد، كان الناطق الرسمي باسم الحكومة قد أعلن في وقت سابق أن الرفع من سن التقاعد هو إجراء لا بد منه لإخراج صناديق التقاعد من العجز الذي تعيشه، وإنقادها من الإفلاس الذي يتربص بها بعد سنوات قليلة. وهي الوضعية التي تنفيها النقابات، وبالتالي ترفض كل حلول الحكومة المتمثلة في ضرورة رفع سن التقاعد ورفع قيمة الاقتطاعات أيضا، بل وتعتبرها ثالوثا قاتلا أو مثلثا ملعونا، إذا ما أضيف إليه كون المتقاعد سيقبض، بعد نهاية سنوات عمله، معاشا أقل بكثير مما يتقاضاه زملائه الذين يحالون على التقاعد حاليا.
موضوع شائك مطروح للنقاش منذ 2013، وأقل ما يقال عن الحلول المقترحة بخصوصه أنها مجحفة للعاملين. ففي حال اتخذت الحكومة هذا القرار من أجل تحسين الوضع المادي لصناديق التقاعد، ستوجه ضربة موجعة للعاملين، وبالتالي ستجعل عددا كبيرا منهم “يفرون بجلدهم” قبل دخول القانون القاتل حيز التنفيذ. كثيرون سيفضلون العمل بمبدأ “أمران أحلاهما مر”، ويتعلق الأمر إما بالحصول على 80% تقريبا من الأجر الأساسي الذي يتلقاه حاليا كل من يختار التقاعد النسبي، أو ينتظر القانون الجديد، والذي ربما قد يحدد سقف المعاشات في 4500 درهما، على أكبر تقدير، كما هو الحال مع معاشات القطاع الخاص.
أليس هناك من إصلاح آخر غير هذا المشروع المجحف؟ ألا يمكن أن تنبثق عبقرية منظري الإدارات المعنية عن أفكار تحفظ حقوق وكرامة العاملين؟ لأن الشىء الأكيد هو أن الإدارات والمؤسسات ستصبح دورا للعجزة إذا ما تم تنفيذ المشروع الحالي. ثم هل سيستطيع المتقاعد الشعور بالراحة ويهنأ بعد سنوات التعب، وهو يتوصل بعد تقاعده، بالفتات الذي “سترمي له” صناديق التقاعد؟ فتات لن يسد رمقه ولن يفي بحاجاته اليومية، ولن يستطيع معها أداء فواتيره أو اقتناء أدويته، خصوصا من التهاب الأسعار وغلاء المعيشة الذي نعيشه حاليا.
لماذا لا يفكر المسؤولون في حلول بعيدة عن التي تتبعها بعض الدول؟ ألا يمكن وضع حد للمشكل القائم دون إلحاق الضرر بالعاملين والمتقاعدين، على حد سواء؟
بالمختصر، في انتظار ما ستخلص له لجنة اليقظة الاجتماعية التي تم تشكيلها من ممثلين عن الحكومة وكل الشركاء الاجتماعيين بغرض وضع تصور يرمي إلى تحسين القدرة الشرائية للشغيلة، فإن إيجاد حلول جذرية لقضية إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب تلزمها عصا سحرية أو معجزة ربانية؛ فطالما عدد المنخرطين المساهمين في تراجع بسبب قلة التشغيل، مقابل الارتفاع المستمر لعدد المتقاعدين، سيعاني الصندوق من العجز حتى بعد 2028، وتنفيذ “مشروع الحكومة المُنقد”.