خواطر طلحة جبريل
فاس التي كانت.
بيني وبين فاس تاريخ . نعم تاريخ وأعرف ماذا أقول .
في فاس كان الحوار الثالث مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني .
في فاس شاهدت لأول مرة الملك الراحل عن قرب، أثناء تغطية قمة فاس الأولى التي انعقدت عام 1981. انعقدت القمة بصعوبة بالغة، وكان مزاج العالم العربي صعباً، لم يتقبل تلك الجملة التي أرادت قمة فاس تبنيها وهي”حق جميع دول المنطقة في العيش بسلام”. غاب عن القمة عدد من القادة، لكن غياب الرئيس حافظ الأسد كان هو المعضلة . وضع السوريون وقتها معادلة تقول: الحل معنا متعب ومن دوننا مستحيل. كان الملك الراحل يبحث عن معادلة :لا يخسر فيها المعارضون كل شيء ولا يربح فيها المؤيدون كل شيء.
افتتحت القمة في القصر الملكي بفاس ليلاً. رابطنا نحن مجموعة من المراسلين أمام باب القصر ننتظر بياناً سيصدر عن الجلسة الافتتاحية .
في ساعة متأخرة خرج الملك الراحل نحو الباب. تدافعنا نحوه فقال: علقت قمة فاس والمغرب يرحب بالوفود كضيوف.
خيم الوجوم على الصحافيين. قال الملك تلك الجملة وهو رابط الجأش. تأملته جيداً. ملك مهيب. كان جلياً أنه يدرك أهمية الإعلام. الإعلام في نظره أهم من السياسة. شخصية هادرة مشعة وأخاذة. ومهيبة. أنيق المحيا .متوهج نظراته متوقدة تفيض قوة ودهاء. في عينيه لمعان السلطة . في صوته نبرة قوية . في ملامحه ذرى المجد.
في فاس كان كتاب “ذاكرة ملك” في طبعته العربية. في فاس كانت القمم العربية الاستثنائية.
منذ سنوات أتردد على فاس، ألقي دروسي على من يأملون امتهان مهنة “الصحافة”، أقول لهم إنها مهنة المتعة .
أشعر بالرضى، عندما أجد أن طالباتي وطلابي يعملون في مختلف المنابر داخل وخارج المغرب.الصحافي المتفوق يفترض ألا يفكر في أن يكون نجماً بل صانعاً للنجوم .
أكرر وأقول إن الصحافي يفترض أن يكون رمزاً لقوة الصحافة في كل مكان وزمان.
أعود إلى فاس، في آخر زيارة شاهدت مشهداً محزناً. صفوف من الناس متراصة: نساء ورجال صغار وصغيرات، متعبين ومتعبات، ينتظرون الحافلة.
سمعت من طلابي ، أنهم إذا لم يبادروا بالذهاب مبكراً إلى محطات الحافلات، سيبقون في الشارع. نعم في الشارع .
سألت عن سبب ذلك، قيل لي إن نزاعاً بين المجلس البلدي وشركة حافلات أفرزت هذه الظاهرة العجيبة الغريبة.
أختم وأقول ليت الشخصيات الوازنة التي تتحدر من فاس سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والإداري، تبادر إلى إنقاذ مدينة عريقة من سوء الخدمات، بحيث وصل الأمر إلى انعدام وسائل النقل في المدينة بعد مغيب الشمس .