ضاية عوا…هل ستعود يوما إلى الحياة؟
اطلس توداي: الرباط- لطيفة بجو –
إذا كانت بعض المناطق ببلادنا تخطف الأنظار في فصل الشتاء بالثلوج التي تسقط بها والحصار الذي يعاني منه السكان خلال أشهر البرد القارس، والمعارك التي يخوضونها ضد الصقيع والثلوج وندرة المواد الغذائية لصعوبة تنقل الحافلات إليها، ففي المقابل، نجد أخرى تلفت انتباه المواطنين ووسائل الإعلام إليها، لكن خلال فصل الصيف، عندما تشح السواقي والوديان المجاورة لها، والتي تعتبر مورد رزق بالنسبة لها ولكل الساكنة.
من هذه الأماكن، منطقة ضاية عوا وعين فيتال وعين سلطان وعيون أخرى عديدة، بالإضافة إلى سواقي ووديان وجداول مدينتي إفران واموزار كندر. لقد زرت مؤخرا هاتين المدينتين وأيضا عدة أماكن أخرى مجاورة لهما، فآلمني جدا مستوى الجفاف الذي تعاني منه هذه الجهة من بلادنا، والحالة المزرية التي آلت إليه عيونها وضاياتها.
لقد كانت منطقة ضاية عوا مثلا وِجهة سياحية جميلة تدر أرباحا مهمة على السكان، لكنها الآن صحراء قاحلة، ليس بها قطرة ماء… بل وكأنها لم يكن لها وجود يوما. لقد كانت قبل سنوات بحيرة مائية تقع على مساحة جد شاسعة، وتحولت الآن إلى أرض خلاء يلعب الصغار فوق أرضها، وتمر عبرها بين الحين والآخر قطعان المواشي، كما يستغلها بعض الشباب لكراء خيولهم الأمازيغية بسروجها المزركشة، لكل من يرغب في القيام بجولة على صهوتها مقابل مبلغ هزيل. في ماض قريب جدا، كان على كل من يود استكشاف الضاية ركوب مراكب صغيرة أعدت لهذا الغرض. أذكر أن ضاية عوا كانت، قبل ست أو سبع سنوات، من أكبر البحيرات شهرة بالمملكة ومن أهم الأماكن التي كان يقصدها كل من يحب السياحة الجبلية والصيد والتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة. كانت طيلة السنة قِبلة كل من يبحث عن الراحة والسكينة لِما عرفت به من نقاء هوائها. لقد كانت تسهم في التنوع البيولوجي لمنطقة إفران وتعتبر داعما للزراعات التي تعتمد على الري في الأراضي المجاورة. كانت تحيط بها أشجار الصنوبر والبلوط الوارفة التي وفرت للسياح فضاء للنزهة والاستجمام لسنوات طويلة. لكنها فقدت حاليا اخضرارها وأوراقها وأصبحت يابسة تكابد الزمن، بعدما لم تعد عروقها تجد ما تروي به عطشها.
صحيح أن البحيرة عرفت جفافا كعدة مناطق أخرى، لكن الحالة الكارثية التي أصبحت عليها ضاية عوا لم تؤثر فقط على الجانب الاقتصادي أو السياحي للمنطقة، بل حتى على الجانب النفسي لساكنتها. إنهم يتحدثون بكل حزن وحسرة عن البحيرة وعن سنوات ازدهارها وعن السياح، من المغاربة والأجانب، الذين هجروها ولم يعد لهم وجود هناك. لقد غابت الحياة عن البحيرة بعدما كانت المنطقة بأكملها تعيش في حيوية على طول السنة. من يصدق أن هذا المكان كان ضاجا بالحياة، وأن البحيرة كانت تضم عدة أنواع من الأسماك، وأن بسمائها حلقت مئات الطيور المهاجرة؟
يتحدث البعض عن كون كثرة استغلال مياه البحيرة لأغراض زراعية، هو السبب وراء جفافها ونضوب مياهها. لذلك فإن جهات بإقليم إفران تحاول إعادة التأهيل الايكولوجي للضاية، حتى تستطيع استرجاع مكانتها على الصعيد الوطني كموقع له أهمية بيولوجية وايكولوجية… و هو الشيء الذي سيمكن المنطقة من استعادة النشاط الاقتصادي والسياحي لما كان عليه قبل 2018، أي قبل جفاف البحيرة.